كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} يعني: جحدوا بوحدانية الله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ الاغلال في أعناقهم} يعني: تغل أيمانهم على أعناقهم بالحديد في النار: {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} أي: دائمون فيها، ولا يخرجون منها.
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} قال ابن عباس: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم العذاب، استهزاءً منهم بذلك، فنزل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} يعني: بالعذاب قبل العافية: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} يعني: العقوبات، والنقمات قبل قريش فيمن هلك، وأصل المثلة: الشبه، وما يعتبر به، وجمعه المثلات: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} يقول: تجاوز: {لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} يعني: على شركهم إن تابوا.
ويقال: بتأخير العذاب عنهم: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} لمن مات منهم على شركه.
قوله تعالى: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ايَةٌ مّن رَّبّهِ} يعني: هلاّ أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم علامة من ربه لنبوته.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} يعني: مخوف، ومبلغ لهذه الأمة الرسالة: {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} قال الكلبي: داعٍ يدعوهم إلى الضلالة، أو إلى الحق.
وقال الضحاك: يعني: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} وأنا الهادي.
وقال سعيد بن جبير الهادي، هو الله.
وقال عكرمة: محمد صلى الله عليه وسلم هو نذير، وهو الهادي.
يعني: يدعوهم إلى الهدى.
{وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} وقال مجاهد: يعني: لكل قوم نبي.
قرأ ابن كثير.
{هَادِيَ} بالياء عند الوقف.
وكذلك قوله: {وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ} [الرعد: 37] وقرأ الباقون: بغير ياء.
قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} ذكرًا أو أُنثى، ويعلم ما في الأرحام سويًا أو غير سوي.
ثم قال: {وَمَا تَغِيضُ الارحام} يعني: ما تنقص الأرحام من تسعة أشهر في الحمل: {وَمَا تَزْدَادُ} يعني: على التسعة أشهر في ذلك الحمل: {وَكُلُّ شيء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} قال قتادة: رزقهم، وأجلهم، وقال ابن عباس.
من الزيادة، والنقصان، والمكث في البطن، والخروج، كل ذلك بمقدار قدره الله تعالى، فلا يزيد على ذلك.
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَمَا تَغِيضُ الارحام} يعني: الحامل إن ترى الدم نقص من الولد، وإن لم تر الدم، يزيد في الولد.
وروى أسباط عن السدي قال: إن المرأة إذا حملت، واحتبس حيضها، كان ذلك الدم رزقًا للولد.
فإذا حاضت على ولدها، خرج وهو أصغر من الذي لم تحض عليه: {وَمَا تَغِيضُ الارحام} وهي الحيضة التي على الولد،: {وَمَا تَزْدَادُ}.
فحين يستمسك الدم، فلا تحيض وهي حبلى.
قال الفقيه: هذا الذي قال السدي.
إن الحامل تحيض، إنما هو على سبيل المجاز، لأن دم الحامل لا يكون حيضًا.
ولكن معناه: إذا سال منها الدم فيكون ذلك استحاضة.
قال: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا ابن خزيمة.
قال: حدثنا عليّ.
قال: حدثنا إسماعيل، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: «مِفْتَاحُ الغَيبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ الله، لاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأرْحَامُ أَحَدٌ إلاَّ الله، وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ أحَدٌ إلاَّ الله، ولاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي المَطَرُ أحَدٌ إلاَّ الله، ولاَ تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلاَّ الله، ولاَ يَعْلَمُ أَحْدٌ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ الله». ثم قال تعالى: {عالم الغيب والشهادة} يعني: ما غاب عن العباد، وما شاهدوه.
ويقال: عالم بما كان، وبما لم يكن.
ويقال: عالم السر والعلانية: {الكبير المتعال} يعني: هو أكبر وأعلى من أن تكون له صاحبة وولد.
قوله تعالى: {سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول} يعني: سواء عند الله من أسر القول: {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} يعني: من أخفى العمل، وأعلن العمل: {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ} يعني: في ظلمة الليل: {وَسَارِبٌ بالنهار} أي: منصرف في حوائجه.
يقال: سَرَبَ يَسْرُبُ إذا انصرف، ومعناه المختفي، والظاهر عنده سواء.
وقال مجاهد: المستخفي؛ المختفي بالمعصية، والسارب يعني: الظاهر بالمعاصي: {لَهُ معقبات} قال ابن عباس: له حافظات: {مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} يعني: بأمر الله حتى ينتهوا به إلى المقادير.
فإذا جاءت المقادير، خلوا بينه وبين المقادير، المعقبات يعني: الملائكة يعقب بعضهم بعضًا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلفه بعده فريق.
وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة،: {لَهُ معقبات} قال: الملائكة يتعاقبون بالليل والنهار: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} يعني: بأمر الله.
ويقال: للمؤمن طاعات وصدقات: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} أي: من عذاب الله عند الموت، وفي القبر، وفي يوم القيامة.
ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} يعني: لا يبدل ما بقوم من النعمة التي أنعمها عليهم: {حتى يُغَيّرُواْ} يقول: يبدلوا: {مَا بِأَنفُسِهِمْ} بترك الشكر.
قال مقاتل: يعني: كفار مكة نظيرها في الأنفال.
{ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53]، إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فلم يعرفوها، فغيّر ما بهم، فجعل ذلك لأهل المدينة.
قال أبو الليث رحمه الله: في الآية تنبيه لجميع الخلق، ليعرفوا نعمة الله عليهم، ويشكروه، لكيلا تزول عنهم النعم.
ثم قال تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} يعني: إذا أراد بهم عذابًا أو هلاكًا فلا مردّ لقضائه: {وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ} يعني: ليس لهم من عذابه ولي، ولا قريب يمنعهم، ولا ملجأ يلجؤون إليه.
قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا} يعني: خوفًا للمسافر، وطمعًا للمقيم الحاضر، ويقال: خوفًا لمن يخاف ضرر المطر، وطمعًا لمن يحتاج إلى المطر، لأن المطر يكون لبعض الأشياء ضررًا، ولبعضها رحمة.
ثم قال: {وَيُنْشِئ السحاب الثقال} يعني: يخلق السحاب الثقال من الماء.
قوله تعالى: {وَيُسَبّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} يعني: بأمره.
قال: عمر بن محمد.
قال: حدثنا أبو بكر الواسطي.
قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف.
قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن أبي زائدة أنه قال: سمعت عكرمة يقول: الرعد ملك يزجر السحاب بصوته كالحادي بالإبل.
وروى وكيع، عن المسعودي، عن سلمة بن كهيل، أنه سئل عن الرعد فقال: هو ملك يزجر السحاب.
وسئل عن البرق: فقال هو في مخاريق بأيدي الملائكة.
وسئل وهب بن منبه عن الرعد فقال: ثلاث ما أظن أحدًا يعلمهن إلا الله عز وجل: الرعد، والبرق، والغيث، وما أدري من أين هن، وما هن.
فقيل له: {أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} قال: نعم.
ولا ندري أنزل من السماء أو من السحاب، ولقحت فيه أو يخلق في السحاب فيمطر.
وسمى السحاب سماء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرعد فقال: «هُوَ مَلِكٌ فِي السَّمَاءِ، وَاسْمُهُ الرَّعْدُ، وَالصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ هوُ زَجْرُ السَّحَابِ، وَيُؤَلِّفُ بَعْضُهُ إِلى بَعْضٍ فَيَسُوقُهُ».
ثم قال: {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} يقول: يسبح الملائكة كلهم خائفين لله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصواعق} وهي نار من السماء لا دخان لها: {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} من خلقه: {وَهُمْ يجادلون في الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال} قال ابن عباس هو الله تعالى،: {شَدِيدُ المحال} يعني: شديد العقاب.
ويقال: أصله في اللغة الحيلة.
وقال قتادة: يعني: الحيلة، والقوة.
ويقال: هو شديد القدرة، والعذاب.
ويقال: {المحال} في اللغة هو الشدة.
ويقال بعضهم: هو كناية عن الذي يجادل، ويكون معناه: {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء}: {وَهُمْ يجادلون في الله} يعني: يصيبهم في حال جدالهم.
وقال مجاهد: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخبرني من أي شيء ربك أمن لؤلؤ هو؟ فأرسل الله عليه صاعقة فقتلته، فنزل: {وَهُمْ يجادلون في الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال} يعني: شديد العداوة.
وقال قتادة: دخل عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أسلم على أن لك المدر، ولي الوبر.
يعني: لك ولاية القرى، وليَ ولاية البوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مِنْ المُسْلِمِينَ لَكَ مَا لِلْمُسْلِمينَ، وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ»؟ قال عامر: لك الوبر، ولي المدر. فأجابه بمثل ذلك. قال عامر: ولي الأمر من بعدك. فأجابه بمثل ذلك.
فغضب عامر وقال: لأملأنها عليك رجالًا ألفا رجل أشعر، وألفا أمرد، فخرج ولقي أربد بن قيس، فقال له ادخل على محمد وآلهه، وأنا أقتله فدخلا عليه، فجعل عامر يسأله ويقول: أخبرنا يا محمد عن إلهك، أمن ذهب هو أم من فضة؟ فلما طال حديثه قاما وخرجا، فقال مالك لم تقتله؟ قال: كلما أردت أن أقتله وجدتك بيني وبينه.
فجاء جبريل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فدعا عليه، فأصابته صاعقة فقتلته.
فنزل: {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يجادلون في الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال}.
قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحق} يعني: كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، يدعو الخلق إليها.
ويقال معناه: له على العباد دعوة الحق أن يدعوه فيجيبهم: {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني: الأصنام والأوثان: {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَئ} يقول: لا ينفعهم بشيء: {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ} يعني: كمادٍ يديه: {إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ} والعرب تقول لمن طلب شيئًا لا يجده، هو كقابض الماء.
يعني: كمن هو مشرف يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه: {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} يعني: فلا يناله أبدًا.
وقال مجاهد كالذي يشير بيده إلى الماء، فيدعوه بلسانه، فلا يجيبه أبدًا.
هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك الذي عبد مع الله إلها آخر، أنه لا يجيبه الصنم، ولا ينفعه كمثل العطشان الذي ينظر إلى الماء من بعيد، ولا يقدر عليه: {وَمَا دُعَاء الكافرين} يقول: ما عبادة أهل مكة: {إِلاَّ في ضلال} يضل عنهم، إذا احتاجوا إليه في الآخرة.
قوله تعالى: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن في السموات والأرض} من الخلق: {طَوْعًا وَكَرْهًا} قال قتادة: أما المؤمن فيسجد لله طائعًا، وأما الكافر فيسجد.
كرهًا ويقال: أهل الإخلاص يسجدون لله طائعين، وأهل النفاق يسجدون له كرهًا، ويقال: من ولد في الإسلام يسجد طوعًا، ومن سبي من دار الحرب يسجد كرهًا.
ويقال: {يَسْجُدُ لِلَّهِ} يعني: يخضع له من في السموات والأرض، ولا يقدر أحد أن يغير نفسه عن خلقته: {وظلالهم} يعني: تسجد ظلالهم، وسجود الظل دورانه.
ويقال: ظل المؤمن يسجد معه، وظل الكافر يسجد لله تعالى إذا سجد الكافر للصنم.
{بالغدو والاصال} يعني: أول النهار، وآخره، وقال أهل اللغة: الأصيل ما بين العصر إلى المغرب، وجمعه أُصُل والآصال جمع الجمع.
قوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السموات والأرض} يعني: قل يا محمد لأهل مكة من خالق السموات والأرض؟ فإن أجابوك وإلا ف: {قُلِ الله}.
ثم قال: {قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} يعني: أفعبدتم غيره: {لاَ يَمْلِكُونَ لانْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاعمى والبصير} أي: كما لا يستوي الأعمى والبصير، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
ويقال: الأعمى الجاهل الذي لا يتفكر، ولا يرغب في الحق، والبصير العالم الذي يتفكر، ويرغب في الحق.
{أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} أي: كما لا تستوي الظلمات والنور، فكذلك لا يستوي الإيمان والكفر.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: {يَسْتَوِى} بلفظ التذكير بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث، لأن تأنيثه ليس بحقيقي، فيجوز أن يذكر ويؤنث، ولأن الفعل مقدم على الاسم.